تبهرني جداً هذه الكلمات، ويبهرني وقعها على آذاني وقلبي.
فكل كياني يتوق شوقاً لِذلكَ الحب الذي لا يعرف النهاية، حبٌ لا يوجَد حدود لعمقه ولا سقف لِعلوِّه، حبٌّ لا تستطيع ان تحتويه حدود الكون، حب من نوع آخر، حب كائنٌ في نفسه. حب غريب ومختلف، لا تحرقه نيران ولا تطفئه فيضانات ولا تجرفه سيول، حب عجيب لا يشبه أي شيءٍ عَرفتُه في أبعاد بشريتي المحدودة.
أفلا نحتاج كلنا لهذا الحب الذي لا ينتهي، الذي لا يتغيّر ولا يسقط؟
الا نقضي حياتنا بأكملها بحثاً عنه بالرغم من أنه كائن منذ البدء، صارخاً "انا هو"؟
فكلّما قرأت من جديد قصة خلقنا وبداية وجودنا نحن البشر، ألقاني أذهب بمخيلتي، إلى ذلك الوقت وذلك المكان، لأتصور ما هو مكتوب وما حدث في حينه.
فنحن لم نكن، لكن الحب اوجدنا...
كنّا في فكره، فَصَنَعنا، ليس كأية خليقةٍ اخرى، بل على صورته ومثاله قد كوننا!
اليس هذا مبهراً؟
فها هو الكائن العظيم، الله نفسه، يجبلنا بيديه الحنونتين والقويتين من تراب الأرض التي اوجدها، وينفخ فينا من روحه فنحيا!
فَمِن رغبتِه أَبدَعَنا، وعلى صورته صنعنا ومن روحه نفخ فينا! اليس هذا مبهراً. فجميعنا في ذرية "آدم" كننا!
وهناك كلّمنا وعلّمنا، ومشى معنا وأعطانا سلطاناً على كل الخليقة، وأوصانا ان نسود ونملك ونتكاثر ونملأ الأرض!
خلق كل شيء حسن لنا، السماوات والأرض، اليابسة والبحار، الأشجار والثمار، والبقول وكل الأنوار، الشمس والقمر والنجوم، وطيور السماء والأسماك وكل الحيوانات والكائنات، كلها كانت مُعَدّة لنا، فتلك الجنَّة كانت من اجلنا.
وكنّا هناك في محضره كل يوم، كان معنا وكنّا معه. سلامه الذي يفوق كل عقل يحفظنا، وحبه الكامل يغمرنا، فرحُه العجيب يملأنا. نعمته تُظَلِلُنا. هناك ببراءة الأطفال امامه سرنا....
ما ابهى هذا المشهد، كان كل شيء كاملاً وجميلاً، نقياً وطاهراً، حياة فياضة للملء لا تعرف النهاية، وعلاقات كاملة، لا عيب ولا عار ولا شائبة فيها. شَرِكة متواصلة.
أعطانا ملء الحرية لنملك ونسود ونأكل من كل شجر الجنة، حتى من "شجرة الحياة" المغروسة في وسطها، ما عدا تلك التي كانت بجانبها، تلك التي تزيد معرفتنا لِما يسلب حياتنا "شجرة معرفة الخير والشر". تلك بمفردها قد انهانا عنها، فالموت كان يُثمِر منها.
يبهرني هذا الحب الذي خلقني على صورته كشبهه، نفخ روحه، قلبه وحياته فيّ، وجعلني املك معه وأصنع اختياراتي بحرية، وَبِدالَةِ البنين أودعني إرادة حرة. من يشبهه، أيُّ حبٍ مِثلهُ؟
وبالرغم من كماله وكفايته وجماله، بالرغم من حبه وصلاحه وكَرَمِهِ، اخترت أن أُحزِنه، أن اكسر قلبه وأن أطعنه. وسمعت للمخلوق الذي من محضره سبق وأخرجه! سمعت لإبليس نفسه، لذاك الشرير الذي يمقتني ويكرهني ويرغب ان يدفنني معه!
فصدَّقت خداعه وأطعت لمكره وأسلمته سلطاني. فانفتحت عيناي في الحال، ورأيت شقائي وعريي وعاري. وركضت لأصنع لنفسي رداءَ ورقٍ، لعلَّه يخفيني ويسترني.
وإذ بالذي يُحبني، والذي بدهشةٍ وإعجازٍ قد خلقني يأتي إلي في تلك التي جعلها جنتي، ويسألني "أين انت؟"
أين انا؟! فَهرعت! وبعجلةٍ اختبأت، ولكنني سرعان ما انكشفت. وعندما سؤِلْت، بذنبي ما اعترفت، ولا بتوبةٍ أَتيتُه ولا تواضعت، ولكن عني المسؤولية رميت، ويا ليتني اعترفت بأنَني قد أخطأت.
آه ما اشقاني انا الإنسان. فأنا لم أنصِت لخالقي ولم أُصغِ له، لم اصدقه، لم أُطِعه، لم اقاوم شهوتي ولم اخضع له، ولم أفهم ان الموت كان متربصاً لي بتلك الثمرة المُغَلَّفة باللذة الماكرة، آه يا ليتني ما عَصَيتهُ.
وأمام جلال عدله وقداسته أيقنت أنني بجهلي خسرت مكاني، حياتي، هويتي، فرحي وسلامي. فأُجْرَةُ الخطيئةِ موت ويا لفظاعة آلامي.
وهناك، وانا في رعبي أغوصُ بضياعي وأحزاني، وقبل ان يُخرِجني من محضرِهِ ويتغير شكلي وعنواني...
هناك وأنا أُوَدِّع محضرَ ذاك الذي وجوديَ وَنَفَسي قد اعطاني، ذاك الذي هو نوري وحياتي وحريتي وأماني. هناك وانا غارق بِحَيرَتي وضياعي وَتيهاني، وبالرغم من غضبه على معصيتي وذنبي وعصياني، رأيته برحمةٍ يقترب مني، كَآبٍ يحنو علي، وبرداءِ جلدٍ قد كساني!
كيف هذا! وانا التراب الساقط الغير مستحق! وقد ظننتُ أن إثمي للأبد قد أفناني، وإني بمفردي، مع وَصمتي، سألاقي ذلّي وهواني.
ولكن ها هو وَلِييّ الحَي، بِحُبٍ عجيب ينحني، يتحنن عليّ، وبرجاءٍ يَعِدُني. هوذا بيديه المحبتين يكسوني، ووعد خلاص يقطع لي.
هوذا إلهي، أمام الملعون الذي أرداني، يقطع لي عهداً أنَّ من نسلي سيأتي مَن يسحق رأس عدوي، الذي بِمَكرِهِ قد أَغواني.
أي حبٍ هذا؟! لا ينتهي؟! حب قدوس يجمع العدل والرحمة بشخصه! حب لا ينطفىء حب عجيب، حب مجيد!
حبٌ يصرخ تعالوا إليَّ بِظُلمَتِكم وموتكم فأنا هو!
حب يصرخ: "أتنصت وتسمع لكلمتي؟ أتسمعني؟ فأنا نورك، وأنا حياتك وأنا خلاصك وسلامك، وأنا هو فداؤك، انا وحدي رجاؤك، انا من سحقتُ اعداءَك! أنا وحدي رداءُ برِّك، انا هو الحب السرمدي الذي لا يسقط حتى في سقطتك!
"انا هو" أتريد أن تعرفني؟ "انا هو!"
أخي، اختي، أعزائي وأصدقائي، أنتم ايضاً يمكنكم ان تلتقوا بهذا الحب العجيب في صفحات الإنجيل المقدس. وإن رغبتم بقراءة قصة الخلق والسقوط والوعد بالخلاص والفداء، فهي موجودة في سفر التكوين الإصحاح الأول والثاني والثالث.
كما ويمكنكم إرسال جميع اسئلتكم على الخاص وسوف نُسَرّ جداً بالرد عليكم بأقرب وقتٍ ممكن.
نصلّي، أن تلمس الكلمة الحية حياتكم وقلوبكم، وأن تتقابلوا مع هذا الحب العجيب الذي لا يسقط ابداً.