رسالة تيموثاوس الأولى - الأَصحاح الرابع
رجل الله في الحق والاستقامة
أولاً. العقائد المزيفة في الأزمنة الأخيرة.أ ) الآية (١): تحذيرات من الروح القدس.
١وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ.
١. وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: يميز بولس هذا التعليم على وجه الخصوص بأنه وحي من الروح القدس، سواء بكلمة عفوية أعطيت له بينما هو يكتب أو باقتباس من نبوءة سابقة. وقد كان بولس عارفاً للأخطار التي تميز الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ.- خطر الإرتداد (يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَان)
- خطر الخداع (أَرْوَاحًا مُضِلَّةً)
- خطر التعاليم المزيفة (تَعَالِيمَ شَيَاطِينَ)
· لقد مضى اكثر من ١٩٠٠عام منذ أن كتب بولس لتيموثاوس عن الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ، لكن بولس لم يسيء فهم عصره أو عصرنا. فالتاريخ لم يكن مندفعاً نحو حافة بعيدة من شأنها أن تنهي هذا النظام الحالي. وحتى في زمن الرسل، وصل التاريخ إلى تلك الحافة ولكنه ظل يسير موازياً لها منذ ذلك الحين. وكما اتضح لاحقاً فإن الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ تصف حقبة واسعة وليس فقط بضعة سنين.
٢. يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ: فإذا أراد تيموثاوس أن يبقى أميناً في خدمته لشعب الله، فإنه بسبب خطر الأزمنة الأخيرة، ينبغي عليه التأكد دوماً من أن الجميع يمارسون الإِيمَان والحق. لأنه إن ضاع ذلك فلن يبقى فعلياً أي شيء آخر جدير بالاهتمام.· "قد يتمسك المرء بكل الحقائق المسيحية ومع ذلك يجعلها تفقد تأثيرها من خلال قبوله عقائد أخرى تتعارض مع تأثيرها أو قد يرتد عن طريق إنكار بعض العقائد الأساسية، مع أنه بهذا لا يجلب شيئاً هرطقياً." كلارك (Clarke)
· تصف مقالة وردت في حزيران سنة ١٩٩٧ في أخبار وتقرير العالم في الولايات المتحدة قسيساً من فرجينيا يفضل الوعظ عن "البوسنة والعدالة والسلام العالمي بدلاً من وعظه عن قصص الكتاب المقدس أو الخلاص الشخصي." وهذا مثال عن شخص ارتد عن الإيمان واتبع توجهاته الخاصة.
٣. الإِيمَان: هذا لا يعني فقدان القدرة على الإيمان، بل فقدان المحتوى الذي ينبغي أن يؤمن به المؤمنون. وهذا الكلام يصف تعاليم الإيمان المسيحي الأساسية. فعندما يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ فهم يتخلون عن التعاليم الأساسية.· يستخدم الكتاب المقدس كلمة ’الإِيمَانِ‘ بهذه الطريقة في العديد من الأماكن: أعمال الرسل ٧:٦، ٢٢:١٤، كولوسي ٢٣:١، تيموثاوس الأولى ١٩:١، يهوذا ٣:١.
٤. أَرْوَاحًا مُضِلَّةً: يشير هذا الكلام إلى الأرواح الشيطانية (وهي كائنات ملائكية تمردت ضد الله)، التي تخدع الناس وتغويهم بالابتعاد عن الحق.· بعض الأكاذيب قوية للغاية بحيث تكمن وراءها فعالية روحية واضحة. وهذه الأكاذيب ابتدعتها الأرواح المضلة وروجتها ببراعة.
٥. تَعَالِيمَ شَيَاطِينَ: يقصد بها التعاليم المحددة لتلك الأرواح المضلة. فالشياطين متخصصين في اللاهوت ولديهم أنظمة للعقائد.· نجد أول عقيدة الشيطانية في سفر التكوين ٣، حيث نلاحظ الشيطان يتكلم من خلال الحية ويعلم حواء قائلاً: «لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ...». لن تموتا. (تكوين ٤:٣-٥). ومنذ ذلك الحين فكل عقيدة شيطانية تمتد بأصلها إلى هذه الجذور: فكرة أننا يمكن أن نكون آلهة ونتصرف بشكل مستقل عن الله.
· "ترد عبارة ’الأرواح المضلة‘ في العديد من المخطوطات وقراءات كبار آباء الكنيسة، ولكن هذه العبارة تحمل تشديداً أكثر مما نجده في قراءتها العامة. فالخداع يبدو كأنه امرأة لها أرواحها، ومرسليها من كل نوع، توظفهم لإظلام القلوب وتدمير أرواح البشر. وينتمي إلى هذه الفئة كل من يزعمون امتلاكهم إلهاماً روحياً والمعلمون المزيفون من كل صنف." كلارك (Clarke)
٦. اَرْوَاحًا مُضِلَّةً ... تَعَالِيمَ شَيَاطِينَ: لقد وجدت هذه الأمور منذ أن مشى الإنسان على الأرض لأول مرة في جنة عدن. ولكن علينا توقع ارتداد المزيد والمزيد من الناس في الكنيسة عن الإيمان في الأزمنة الأخيرة وقبولهم تلك التعاليم المزيفة.· من الصعب القول أنه يوجد تعاليم مزيفة أكثر في يومنا الحاضر أو القول بأن المسألة هي مجرد تكنولوجيا حديثة قادرة على نشر الكذب بشكل أفضل. ولكن القول القديم صحيح بالتأكيد في يومنا الحاضر، ومفاده أن الكذب يسير بسرعة قصوى بينما الحق يمشي على الأقدام. فهناك المزيد من الناس في الكنائس يتبعون تلك العقائد الشيطانية.
ب) الآيات (٢-٣): طبيعة ارتدادهم عن الإيمان واعتناقهم للعقائد الشيطانية.٢فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ، ٣مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ.
١. فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ: تصف هذه العبارة أولئك المرتدين عن الإيمان. وهي تشير بالتأكيد لأولئك الذين يعتنقون الباطل عن طيب خاطر لتبرير خطيئتهم أو كبريائهم. وتشير أيضاً إلى أولئك الذين يزعمون بمعرفة الكتاب المقدس بينما هم يستخدمونه فقط لدعم أفكارهم الخاصة أو لدعم جدول أعمالهم.٢. مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ: إن ضميرهم الذي كان قد بكتهم في وقت من الأوقات على ارتدادهم عن الحق، لم يعد يتجاوب الآن مع التبكيت على الإطلاق. ويبدو الأمر وكأن النهايات العصبية لضميرهم قد احترقت وماتت عن الإحساس.· يشير هنا بولس إلى ممارسة قديمة كان يتم فيها وسم المجرم على جبهته بعلامة مميزة. أما بالنسبة لهؤلاء المرتدين عن الحق فلم توسم جبهتهم بل ضميرهم هو الذي وسم.
· "علامات ريائهم في نظر الله واضحة للغاية ولن تمحى أبداً، تماماً كعلامة الكي التي يضعونها على أجساد المجرمين بسبب جرائمهم ليراها كل الناس." كلارك (Clarke)
· عرف بولس معنى أن يكون لدى الشخص ضمير محترق أو ميت. فقبل أن يُسلم حياته ليسوع المسيح على طريق دمشق، كان بولس يشعر تماماً بأنه مبرر في اضطهاده للمسيحيين وكرهه ليسوع. فكان يشعر أنه مبرر لأن ضميره كان موسوماً يحتاج إلى نداء للصحوة وهذا ما وفره الرب له برأفة.
٣. مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ: هذا الكلام يصف تعليم المرتد الناموسي عن الحق. فقد علم هؤلاء أن المرء يتبرر في نظر الله باتباع هذه اللائحة من القواعد التي صنعها البشر، وبموجبها ستكون أكثر قداسة أمام الله إذا امتنعت عن الزواج وإذا امتنعت عن تناول أطعمة معينة.· تحتوي الكنيسة دائماً على أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أكثر روحانية من الله نفسه، وقواعد الحياة لديهم أكثر صرامة من قواعد الله نفسه.
· لقد كان هناك في القرون المبكرة من تاريخ الكنيسة رهبان خرجوا إلى الصحراء القاحلة وقاموا بتعذيب أنفسهم ليظهروا للناس مقدار روحانيتهم. فأحدهم لم يتناول أبداً طعاماً مطبوخاً. والآخر كان يقف طوال الليل منحنياً على صخرة حادة بحيث يستحيل عليه النوم. وغيره أهمل نظافة جسده وسمح لجسده بأن يصبح قذراً لدرجة أن الحشرات كانت تتساقط ميتة عنه. وقد فعلوا ذلك لأنهم ظنوا أن هذا سيجعلهم مستحقين في نظر الله ويظهر لجميع الناس مقدار روحانيتهم.
· غالباً ما نظن أننا إذا ضحينا لأجل الله بشيء ما (مثل التضحية بحقنا في الزواج أو أكل طعام معين) يكون الله مديوناً لنا. وهذا الفكر هو أسوء صورة من الناموسية وهو محاولة التلاعب مع الله للحصول على شيء منه. فبهذه الأفعال نحن نحاول أن نجعل الله مديوناً وخادماً لنا، وأن نجعل من أنفسنا أسياداً له. وبذلك نتمم عقيدة الشياطين الأصلية وهي أن نكون آلهة.
· لقد سعت ملايين لا تحصى من الناس عبر القرون للتضحية بشيء ما وجعل الله مديناً لها بالبركة أو الغفران أو الرحمة أو أياً كان. وهذه هي ديانة جلد الذات، وليست العلاقة مع يسوع المسيح التي يصفها العهد الجديد بأن: "مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ." (رومية ٢٤:٣).
· "لا يدور الجدل هنا حول اللحم أو السمك أو حول اللون الأسود أو الرمادي أو حول يوم الأربعاء أو الجمعة، لكنه يدور حول الخرافات المجنونة للأشخاص الذين يتمنون الحصول على استحسان الله عن طريق هذه الأمور التافهة واختراع وسائل جسدية للعبادة، وهكذا يخترعون لأنفسهم صنماً يعبدونه مكان الله." كالفن (Calvin)
· مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ: "يعتقدون أنه من الأفضل جداً للكاهن أن يحتفظ لنفسه بالعديد من العاهرات بدلاً من أن تكون له زوجة." تراب (Trapp)
ج ) الآيات (٤-٥): دحض الناموسية التي تميز أولئك الذين ارتدوا عن الإيمان.٤لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ، ٥ لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ.
١. لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ: فيما يتعلق بما نأكله، يمكننا أن نأكل كل شيء. ويكون قبولنا للأشياء سليماً إذا تلقيناها مَعَ الشُّكْرِ، مع شعورنا الدائم بالامتنان تجاه الله. فنحن نتلقى بركات الطعام والمأوى والراحة كهبات وليس كحقوق.٢. وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ: نحن لسنا مقيدين بأي نظام حمية، لأن ما نأكله لا يجعلنا أكثر براً أمام الله (على الرغم من أن ما نأكله قد يؤثر في صحتنا).· لقد تم حسم هذه القضية مرة واحدة وإلى الأبد عندما تكلم الله مع بطرس في سفر أعمال الرسل ٩:١٠-١٦.
· "كانت هناك أنواع من اللحوم محظورة بين الوثنيين واليهود والرومان، بعضها محظور دائماً وبعضها الآخر محظور في أوقات خاصة. ويعلمنا الرسول بولس أن هذا يتعارض مباشرة مع التصميم الأصلي لله، ويقول بولس أن أولئك العارفين للحق يعلمون ذلك." كلارك (Clarke)
٣. لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ: تدور هنا في ذهن بولس فكرة الصلاة قبل وجبات الطعام. والملاحظ أن التشديد هنا ليس على الطلب من الله ليبارك الطعام، بل على شكر الله لأجل بركة توفير الطعام للأكل.· ’كَلِمَةِ اللهِ‘ تقدس الطعام بمعنى أن الله قد أعطى للجنس البشري وصيتين بأن يأكلوا الأشياء الجيدة من الأرض.
- وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا». (تكوين ٢٩:١)
- «كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ». (تكوين ٣:٩)
· يحسن ويليق بنا أن نصلي قبل تناول وجبات الطعام، ولكن ينبغي ألا يتم ذلك بطريقة طقسية أو خرافية. وينبغي ألا نظهر للآخرين كم نحن روحانيون – فهكذا كان يفعل الفريسيون (متى ٥:٦).
ثانياً. تعليمات لتيموثاوس حول الخدمة.أ ) الآية (٦): كيف تعرف أنك تتمم دعوتك.٦إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهذَا، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ.
١. إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهذَا، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ: لاحظ أن عمل الخادم هو بشكل أساسي إرشاد الإخوة (إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهذَا). فإذا لم يرشد الخادم الإخوة بهذه الأمور فلن يكون بالحقيقة خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.· من المهم أيضاً القول بأن الإرشاد يجب فهمه بمعناه الواسع وليس فقط كأسلوب للتعليم في غرفة الصف أو الوعظ يوم الأحد. فقد كان يسوع يرشد تلاميذه، ولكنه يفعل ذلك بحضوره وحياته وممارسته العملية إضافة إلى كلماته.
٢. مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ: ولكن إن أراد تيموثاوس أن يكون خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، فيجب أن يظل هو نفسه راسخاً في كلمة الله، ومتابعاً التَّعْلِيمِ الْحَسَن.ب) الآيات (٧-١٠): المحافظة على أولوياتك مستقيمة.٧وَأَمَّا الْخُرَافَاتُ الدَّنِسَةُ الْعَجَائِزِيَّةُ فَارْفُضْهَا، وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى. ٨لأَنَّ الرِّيَاضَةَ الْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيل، وَلكِنَّ التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ وَالْعَتِيدَةِ. ٩صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول. ١٠لأَنَّنَا لِهذَا نَتْعَبُ وَنُعَيَّرُ، لأَنَّنَا قَدْ أَلْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى اللهِ الْحَيِّ، الَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ سِيَّمَا الْمُؤْمِنِينَ.
١. وَأَمَّا الْخُرَافَاتُ الدَّنِسَةُ الْعَجَائِزِيَّةُ فَارْفُضْهَا: ينبغي أن تكون الأولوية هي كلمة الله وليس كلام البشر. فبولس يحذر تيموثاوس بأن يبقي تركيزه على الكلمة وليس على الأشياء التي تصدر عن البشر. فيجب بذل الجهد الأعظم في دراسة كلمة الله وليس كلام البشر.٢. وَأَمَّا الْخُرَافَاتُ الدَّنِسَةُ الْعَجَائِزِيَّةُ فَارْفُضْهَا: هذا هو الجانب السلبي من الوصية. أما جانبها الإيجابي فيجب أن نبقي أولويتنا موجهة نحو الأمور الأبدية، وليس الأمور الوقتية.٣. وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى: تحظى ممارسة الرياضة البدنية بقيمة عالية في الثقافات اليونانية والرومانية القديمة. فبولس هنا يخبر تيموثاوس بأن نفس العمل والتكريس الذي يخصصه الآخرون لممارسة الرياضة البدنية، يجب تخصيصه في السعي لإتباع التَّقْوَى.· "هنا مفارقة متعمدة. كان على تيموثاوس أن يقاوم الْخُرَافَات الدَّنِسَة من خلال ترويض نفسه للتقوى في حياته المسيحية." وايت (White)
· تشتق كلمة ’تقوى‘ من كلمة إنكليزية قديمة هي (Godlikeness) ومعناها أن يمتلك المرء صفات الله ويتخذ موقفه. وهذا الهدف يستحق السعي وراءه أكثر بكثير مما يحتمل إنجازه من ممارسة الرياضة البدنية.
· لأَنَّ الرِّيَاضَةَ الْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيل: أي أن لها بعض القيمة. أو يمكن ترجمة الفكرة كما يلي: إن ممارسة الرياضة البدنية جيدة لفترة من الزمن، في حين تدوم فائدة ممارسة التقوى طوال الأبدية.
· هناك تشابه بين التطور الروحي والتطور الجسدي، وهو أن النمو في كليهما يتم فقط ببذل الجهد واتباع التغذية المناسبة.
٤. وَلكِنَّ التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ: يشرح بولس هنا قيمة التقوى في كل من معناها الحاضر ومعناها الأبدي. فالتقوى تجعل حياتنا الْحَاضِرَةِ أفضل، ويجب ألا نتردد في تصديق ذلك وإخبار الناس به.· رغم أن التقوى لا تجعل حياتنا الحاضرة أكثر راحة وثراء ومتعة أو أكثر سهولة، لكنها بلا شك تجعلها أفضل وأكثر إرضاءاً وتحقيقاً لما يطمح المرء أن يحياه في هذا العالم.
· "إني أؤكد لكم، وهناك الآلاف من إخوتي الذين يستطيعون تأكيد نفس الأمر، أنه بعد أن جربنا طرق الخطية فنحن نفضل قطعاً طرق البر لأجل ما تحتويه من متع هنا. ونحن لن نغير موقفنا ونحيا مع أناس أشرار حتى لو اقتضى الأمر أن نموت مثل الكلاب. ومع كل الحزن والهم التي يفترض أن تجلبه الحياة المسيحية، فإننا نفضلها على أي شيء آخر من أشكال الحياة تحت النجوم." سبيرجن (Spurgeon)
٥. وَالْعَتِيدَةِ: وفي نفس الوقت، فإن التَّقْوَى هي الضمانة الوحيدة النَافِعَة في الحياة الحاضرة وَالْعَتِيدَة. فهناك العديد من المتع أو الإنجازات في هذا العالم التي لا تزعم حتى بتقديم أي شيء للحياة القادمة (الْعَتِيدَة).· إن التقوى هي الطريق الوحيدة للحياة الأبدية والسعادة.
- الخطية والرذيلة لا تقدمان أي شيء للحياة القادمة.
- علم الأنساب وشجرة النسب لا يقدمان أي شيء للحياة القادمة.
- النجاح العالمي والثروة لا تقدمان أي شيء للحياة القادمة.
- الشهرة الشخصية أو الجمال لا يقدمان أي شيء للحياة القادمة.
- كل الإنجازات في التعلم أو في الفنون لا تقدمان أي شيء للحياة القادمة.
· "لا تجرؤ الرذيلة أن تقول، حتى أنها لا تملك أبداً الوقاحة اللازمة للقول: ’إفعل الشر وعش في الخطية وسوف تنال منها الحياة الأبدية.‘ كلا، فالمسرح على بابها لا يعرض عليك حياة أبدية بل يدعوك إلى الهاوية: إلى بيت الشعوذات وزجاجة السكارى ومكان تجمع المستهزئين وحجرة المرأة الغريبة - لم يجرؤ أي منهم في الإعلان عن وعد بالحياة الابدية كما هو الحال بين الهبات التي قد تغري مريديها. ففي أفضل الأحوال تمنحك الخطية فقاعات وتطعمك من الهواء. وعندما تتلاشى المتع تترك وراءها تعاسة." سبيرجن (Spurgeon)
٦. لأَنَّنَا قَدْ أَلْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى اللهِ الْحَيِّ: ينبغي أن يكون هذا الكلام هو أهم شعار في حياة المؤمن. وكما تحدى داوود جليات بإسم الله الحي (صموئيل الأول ٢٦:١٧، ٣٦)، هكذا فإن (رَجَاءَنَا) ثقتنا بالله الحي تمكننا من إنجاز أشياء عظيمة لمجده.· "لكن إلهنا الذي نثق فيه هو إله ذو قلب عظيم ومحب ودافيء، وإله مفكر ونشيط وعامل، وإله شخصي يأتي إلى هذا العالم ولكنه لا يتركه يسير أموره بنفسه. وعلى الرغم من أن الله غريب في العالم وشعبه هم أيضاً غرباء وأجانب بسبب التمرد الذي قام به البشر ضد ربهم المخلص وسيادته، إلا أنه ما يزال عالمه وهو ما زال موجود فيه." سبيرجن (Spurgeon)
٧. مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ: تشدد هذه العبارة على فكرة أن الأولوية يجب أن تعطى لاستمرار في نشر رسالة يسوع المسيح. ولا تعني العبارة شمولية الخلاص لكل البشر في العالم بل تعني وجود مخلص واحد فقط لكل البشر. ولا تعني أيضاً بأن المؤمنين لهم مخلص واحد، وغيرهم قد يكون لهم مخلص آخر.· لكن لاحظ ما يقوله بولس هنا: ’لاَ سِيَّمَا الْمُؤْمِنِينَ.‘ فعمل يسوع كان مناسباً لخلاص الجميع ولكنه فعال فقط في خلاص أولئك الذي يقبلون إليه بالإيمان.
· "إن ما قصده الله للجميع، يعطيه فعلياً لأولئك الذين يؤمنون بيسوع الذي مات لأجل خطايا العالم (يوحنا الأولى ٢:٢) وذاق الموت لأجل الجميع (عبرانيين ٩:٢). وبما أنه قد تم شراء الجميع بدمه حتى يؤمن الجميع وينالوا الخلاص. فأولئك الهالكون، هم يهلكون نتيجة اختيارهم." كلارك (Clarke)
ج ) الآيات (١١-١٦): تعليمات شخصية.١١أَوْصِ بِهذَا وَعَلِّمْ. ١٢لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ. ١٣إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ. ١٤لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ. ١٥اهْتَمَّ بِهذَا. كُنْ فِيهِ، لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. ١٦لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا.
١. أَوْصِ بِهذَا: تخول هذه الكلمات تيموثاوس بممارسة سلطانه في الوعظ. فعليه ألا يصعد إلى المنبر للتكلم بتخمينات وآراء ونظريات بشرية، بل عليه أن يعلن كلمة الله كوصية بلا خوف وأن لا يستسلم للخوف من الناس.٢. لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ: كان تيموثاوس كشاب عرضة لارتكاب أخطاء الشباب التي تجلب انتقادات مبررة من المسنين. ولمعالجة هذا الأمر دعاه بولس أن يعيش حياة ذات مستوى عالٍ من التقوى حتى لا يسمح لأحد باحتقار شبابه.· تستخدم كلمة ’حداثة‘ في اليونانية القديمة بمعنى: "سن النضوج المطلوب للخدمة العسكرية، ويمتد حتى سن الأربعين" - إيرل (Earle) مقتبساً من لوك (Lock). ويبدو أن تيموثاوس في ذلك الوقت كان يبلغ ثلاثون سنة من العمر، بينما كان بولس يبلغ من العمر حوالي سبعون سنة، فمسألة الشباب هي مسألة نسبية.
· "يُري القديس بولس لتيموثاوس أسلوباً أفضل للحفاظ على كرامته من أسلوب الثقة بالنفس: لا تعطِ لأحد أي فرصة ليحتقرك، بتجنب ارتكاب أي خطأ يؤثر على شخصيتك." وايت (White)
٣. كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: ترجمة الملك جيمس تقرأها كما يلي: "كن نموذجاً للمؤمنين." ويعتقد البعض بأن هذه الترجمة هي أكثر دقة باستخدام فكرة أن تيموثاوس يجب أن يمثل المجتمع المسيحي بأفضل صورة ممكنة.· "إن ترجمة الملك جيمس، ’نموذجاً للمؤمنين‘ هي أفضل." هايبرت (Hiebert)
· هذه العبارة تعني أن تيموثاوس وكل خادم تقي يجب أن يكون نموذجاً:
- في الْكَلاَمِ.
- في التَّصَرُّفِ.
- في الْمَحَبَّةِ.
- في الرُّوحِ (أي في مواقفه).
- في الإِيمَانِ (تحمل كلمة الإيمان هنا معنى الأمانة).
- في الطَّهَارَةِ.